مالكم لاترجون لله وقارا _ محمد العريفيhttp://live.islamweb.net/lecturs/Mh-al3reafi/8094.mp3بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلِ وسلمُ على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ثم الحمد لله الذي لايخيب لديه أمل الآملين ولايضيع عنده عمل المسلمين .
الحمد لله الذي لافوز الا في طاعته ولا رضاً إلا في التقرب الى عظمته
الحمدلله الذي سبحت له السماوات واملاكها وسبحت له النجوم وأسلافها وسبحت له الانهار واسماكها وسبحت له البحار وحيتانها والأرض وسكانها وإن من شيء إلا يسبح بحمده
"
وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" الاسراء 44.
سبحت له سبحانه النجوم والجبال وسبحت له الآكام والرمال وسبح له الشجر والدوآب والتلال وكما قلنا أن الله عز وجل "
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ "
أما بعد أيها الاخوةُ في الله :
إن الله عز وجل لما خلق الناس خلقهم على أنواع شتى فهدى طائفةً منهم الى الاسلام والايمان وكان في هذا تسميةً لهؤلاء ثم انه عز وجل جعل طائفةً يدلون بما قدمو من أعمالهم ولما خلق الله تعالى قبل ذلك آدم اخرج من ظهره ذريته كالذر ثم اشهدهم على انفسهم فقال لهم تعالى :لست بربكم قالوا :بلى
شهِدوا لهُ عز وجل بأنهُ هو الإله وهم العبيد انه هو الرب والسيد وهم الأرقاء والأذلاء أنه هو الابُ العزيز وهم الطائعون الأذله له عز وجل ،، لذلك شرع الله عز وجل لعباده أعمالاً يتقربون بها اليه حتى يشعرهم بأنهم عباد وبأنهم عبيد وأرقاء لذلك شرع لهم في صلاتهم ان يسجدوا بين يديه ثم إذا سجدوا ووضعوا هذه الجباه التي طالما كرموها وضعوها في التراب وجعلوا هذه الأنوف ترضم في الأرض عندها يقول احدهم سبحان ربي الاعلى، شرع لهم عز وجل أن يقطع على احدهم نزةَ النوم والرقاد ثم يقوم في ظلمه الليل سواء في شده الحر أو شده البرد ليؤدي صلاة الفجر مع الجماعه وإن اعرض هذا العبد وأن ابى وأن تكبر ورفض أَن يقوم من فراشه و أعرض عن طاعه ربه عندها يستحق العقوبه من ربه عز وجل لأن هذا العبد لم يطع أمر سيده
شرع الله عز وجل ان يكدح الانسان ويتعب ثم اذا جمع هذا المال الذي جمعه بعرق جبينه وكد يده وجسده شرع له عز وجل إذا جمع هذا المال ان يقفز به الى اقوام لم يتعبو كتعبه ولم يصب منهم العرق كما صب منه وأنما هم احياناً قد يكونون جالسين في بيوتهم ومع ذلك لما استحق الزكاة امر الله عز وجل هذا العبد ان يأخذ هذا المال الذي جمعه بتعبه ونفضه ثم يقدمه اليهم ولا يحق لهذا العبد ان يعترض ولا يحق له ان يرفض ولايحق لنفسه ان يبدي اعذاراً من عند نفسه أو سواها واذ قدم ذلك او اعرض عن ذلك يستحق العقوبه لانه عبد لم يطع امر سيده لذلك اذا علم الانسان انه عبد بين يدي الله عز وجل صار كما قال ربنا سبحانه :
"
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ" .فاطر:15-17
وقال عز وجل في الايه الاخرى : "
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ"
لولا هل تقرب والبكاء فينظر اليكم عز وجل فيرحمكم لولا انكم تقدمون هذا وإلا تخشعن اليه سبحانه وتعالى معكم قل مايعبأ بكم ربي لذلك يا أخواني كلما كان السيد اعظم قدرا واعظم ملكا واعز سلطانا كان العبد منه اقرب وله ارغب واليه اقرب لذلك كلما قل قدر الله عز وجل في قلب الانسان هان على هذا الانسان ان يعصي الله عز وجل
نعطيكم مثال على ذلك :
لما تقدم نوح عليه السلام بالدعوه الى قومه بدأ يدعوهم الى الله عز وجل ويبين لهم اهميه هذا الاله في العباده لما تقرب اليهم بذلك وبينها لهم تكبر هؤلاء القوم فأمر الله عز وجل نوحاً ان يبين لهم عظمته عز وجل فقال نوح عليه السلام لهم :
"
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} نوح/10 -12
ثم صاح بهم عليه السلام قائلاً : "
مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً" نوح 13
يقول ابن عباس رضي الله عنه وفي ذلك ومعناه مالكم لاتعرفون لله حق عظمته ولاتخشون له عقابً ولا ترجون له ثوابً ثم
بين لهم عليه السلام عظمه الله عز وجل ليرغبهم في الخير والطاعه ويخوفهم من الشر والمعصيه
فقال عليه السلام كما حكا ذلك ربنا عز وجل في كتابه :
"
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا" نوح 10-20
ثم لما بين لهم ذلك وبين لهم عظمه الله عز وجل ازدادو إعراضا لذلك اذا ذكر الله عز وجل العاصين في كتابه كما بين ذلك في عدةِ سور من القرآن يقول الله سبحانه وتعالى اذا عرض امر هؤلاء العصاة يبين الله عز وجل سبب هذه المعصيه فيقول الله عز وجل : "
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ". لذلك لما ذكر الله عز وجل في سوره فُصِلَتْ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقول الى قومه كيف انه بين لهم الدين ودعاهم الى الله عز وجل ثم لما اعرضوا امره الله عز وجل ان يبين لهم عظمته فقال عز وجل كما ذكر ذلك في الكتاب العزيز قال سبحانه :"
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِوَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَاأَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِاِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَآئِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُالْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ". فُصِلَتْ 9-12
ثم لما بين الله عز وجل هذه العظمه أراد سبحانه ان ينبه هؤلاء الناس اذا انهم اعرضو عن الايمان وأن انغرسو في الكفر اكثر فأنه عز وجل لايحتاج الى هذه الطاعه ولاهو في هذه الحاله مفتخر بهذه العباده فقال جل جلاله : "
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍوَثَمُودَ ".فُصِلَتْ 13
لذلك يا أخواني ما يبلغ العبد درجه الصديقين المهتدين حتى يأتون الله جل جلاله أرفع في نفسه من كلَ شيء كما قال سبحانه وتعالى عن المؤمنين :"
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَاذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" .
ثم بين الدرجه الثانيه بعد ذلك فقال سبحانه وتعالى : "
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا "
كان محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى يجلس اليه الناس فيحدثهم ويتحدث معهم فقال اذا ظحك اليهم وسألهم عن الاخبار سأله سآئل عن شيء من أمر الشريعه والجنةِ والنار قال فأذا سؤل عن ذلك تغير لونه وتبدل حتى انه ليس بالذي كان من خشيه الله عز وجل وخوفهِ منه وتعظيمه لربه تعالى .
قال ابراهيم ابن اشعر خادم سليل ابن ايار يقول ما رأيت احداً كان الله تعالى في صدرهِ اعظم من القُرَين كان أذا ذُكِر الله سبحانه وتعالى عنده أو سَمِعَ القرآن ظهر به من الخوف والخجل وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من يكون بحظرته .
وبعدالله بن مبارك يقول عنه عين بن حماد كان ابن المبارك اذا قرأ كتاب القرآن وذكرت له النجه والنار وذُكِرَ بثواب الله وعقابه يصير كأنه ثور منثور الى البكاء ولايستطيع احد منا ان يدنو منه أو ان يسئله عن شيء وأن سأله احد دفعه عنه حتى ينتهي عنه ذلك .
كلُ هذه يا اخواني لأنهم اذا ذُكِرَ الله وجِلَت قلوبهم
يقول الأمام احمد رحمه الله تعالى في كتابه العبر والمعرفه في الرجال يقول قال سفيان الثوري كانو يقولون يعني اصحاب سيف ابن مسلم كانو يقولون ما رفع سيف ابن مسلم رأسه الى السماء منذُ كذا وكذا تعظيماً لله عز وجل .
وكان صلى الله عليه وسلم يغرس هذا الامر في نفوس اصحابه رضي الله عنهم وذلك حتى ينزع من نفوسِهم وقلوبِهم خشيةَ الناس ويجعلهم يتعبدون لله عز وجل وحده .
يقول ابو موسى الاشعري رضي الله تعالى عنه: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسةِ كلمات:
إن الله لا ينام يعني بهذه الكلمات ان الله لاينام ولاينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع اليه عمل الليل والنهار وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء ادركه بصره من خلقه . رواه الأمام مسلم .
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهذا الحديث روي مرفوعاً من السماء الدنيا والتي تليها مسيره خمسمائةِ عام ومابين السماء الاثالثه والتي تليها بين الاخرى مسيره خمسمئةِ عام ومابين كل سماء وسماء مسيرةِ حمسمئةِ عام وبين السماء السابعه وبين الكرسي مسيرةِ خمسمئةِ عام والعرش فوق الماء والله عز وجل فوق العرش وهو يعلم مآ أنتم عليه .
وفي روايةٍ عنه قال :ولا يخفى عليه شيءٌ من اعمالِكم . حديث اخرجه الدارمي وصححه اسناده ابن القيم والشاهدي والهيثمي .
وفي روايه عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فمرت بنا سحابه فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ما هذا ؟ يريد ان يشدهم بهذا السؤال وانه صلى الله عليه وسلم يعلم قال ما هذا ؟ قلنا: السحاب ، قال: والمُزُن ،قلنا: والمُزُن, قال: والعنان ،قلنا: والعنان ، قال: أتدرون كم بين السماء والارض الآن. أتى الفائده من هذه الاسئله قال اتدرون كم بين السماء والارض قلنا: الله ورسوله اعلم ,قال: كذا وكذا سنه ثم عد سبع سماوات ثم قال فوق ذلك بحر بين اسفله وأعلاه كما بين السماء الى السماء ثم ذكر الحديث وقال في آخره والله عز وجل فوق ذلك وهو يعلم ما أنتم عليه وهذه روايه اخرى لما تقدم والحديث صححه الامام ابن القيم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر:
يأخذ الجبار جل جلاله سمواته واراضيه بيده قال:
وقبض يده يعني صلى الله عليه وسلم قبض يده قال: ثم جعل يقبضها ويبسطها ويقول: انا الجبار انا الملك يعني ان الله يقول ذلك يوم القيامه انا الجبار انا الملك اين الجبارون؟ اين المتكبرون ؟ يقول عبدالله ابن عمر وجعل صلى الله عليه وسلم يتميل على المنبر حتى اني اقول اهو واقع برسول الله اهو واقع برسول الله وانا انظر وجعل يتميل والمنبر يتحرك من اسفل منه حتى قلت هو ساقط برسول الله صلى الله عليه وسلم وتلآ قوله تعالى :"
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ"صحيح مسلم.
وعن ابني العباس رضي الله عنهما قال : جاء يهودي الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يامحمد ان الله يمسك السماوات على أصبع والأراضين على أصبع والجبال على أصبع والخلائق على أصبع ثم يقول أنا الملك انا الملك يسئله ابن عباس فلما سمع صلى الله عليه وسلم ذلك ضحك حتى بدت نواجده تعجباً وتصديقاً له ثم قال الله عز وجل :"
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ".
وعن زبير ابن مسلم رضي الله عنه قال : اتى الرسول صلى الله عليه وسلم اعرابي وقال: يارسول الله شهدت الانفس وضاع العيال وأنهكت الاموال وهلكت الابدان فأستسقي الله لنا يعني اطلب السقيا من السماء نزول المطر. قال هذا الاعرابي. قال: فأنا نستشفع بك على الله تبارك وتعالى. يعني نطلب منك انك تتوسط الى الله وتدعو الله عز وجل ان ينزل الغيب ثم اخطأ بعباره بعدها فقال ونستشفع بالله عليك يعني نطلب الله ان يتوسط عندك انك ترضى عن رسول الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له : ويحك اتدري ما تقول ؟ يقول ثم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه اصحابه يعني اصابه الحزن من ذلك والخوف ثم قال: ويحك لايستشفع بالله على احد من خلقه فأن شأن الله تعالى اعظم من ذلك ويحك اتدري ما الله ؟ اتدري ما الله ؟ ان عرشه على سماواته واراضيه لهكذا وقال بيده اليسر القبضه يعنه انه محيط بها. وقال: انه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.
يعني ان هذا العرش لا يكاد يتحمل من عظمه الله فوقه والحديث صححه الامام ابن القيم ورد عن من ظعفه في الوجود.
وعن قتاده رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله عز وجل"
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ "
يعني تتشقق فقال للسائل اتدري مما تتشقق ؟ قال مما ؟قال من عظمه الله جل جلاله فوقها ولكي يعرف العبد قدره وانكساره بين يديه عز وجل
ينبغي يا أخواني ان يتفكر في اصل خلقه
يقول الامام احمد رحمه الله تعالى بعد كلام له بديع قال وقد روى بشر بن جحاش رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم بسط في يده يوما جالس مع اصحابه صلى الله عليه وسلم فبسط في يده قال ثم حرك بساطه بطرف اصبعه. وقال يقول الله تعالى : "
يَا ابْن آدَم أنَّى تُعْجِزْنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن مِثْلِ هَذِهِ"، حتى اذا سويتك ونفخت فيك الروح جمعتَ ومنعتَ حتى اذا بلغت الروح الحلقوم قلت اتصَدق؟ وأنى اوان الصدقه .
يقول الامام ابن القيم رحمه الله تعالى لما ذكر هذا الحديث في كتابه مفتاح دار السعاده تكلم عن اصل خلقه الانسان وان الانسان انما خُلِقَ من ماء دافق ويقول كيف يتكبر عن طاعة عز وجل وتأملو يا اخواني الله يسمعكم ولعل يحرك هذا الكلام قلوبونا .
يقول الامام ابن القيم رحمه الله: فأنظر الان الى النطفه بعين بصيره وهي قطره من ماء مهين مستقذر لو مرت فيها ساعه من الزمان لفسدت وانتنت كيف استخرجها رب الارباب العليم القدير من بين الصلب والترائب استخرجها منقاده بقدرته ثم جعل لها قراراً متيناً لايصل اليها الهواء فيفسدها ولا البرق فيجمدها ولا الحر فيتسلط عليها قال ثم حفظها ثم انقلبت بعد ذلك من نطفه بيضاء الى علقه حمراء ثم جعلها مضغه لحم ثم جعلها عظام مجرده لاكسوه عليها ثم جعلها بعد ذلك مستويه خلقه كامله قال ولو اجتمع الخلق كلهم على ان يخلقو لها عينا او بصرا او ظفرا او عصبا او جلدا او شعره لما استطاعو ذلك قال ثم تأمل في قدره الله عز وجل البارعه في تجسيد العظام وأنظر شكل العينين قال ثم اقتظت حكمه الله تعالى ان جعل ماء الاذن مرا في غايه المراره فلا يجاوزه الحيوان يعني هذه الحشره فلا تسطعهُ داخله اليه بل لو دخلت لتعمل الحيله لتخرج منه وقال: جعل ماء العينين مالحا ليحفظها فأنها شحمه قابله للفساد وجعل ماء الفم عذبا ليدرك طعوم الاشياء .
ثم قال رحمه الله تأمل خلقه الله عز وجل لليدين اللتان هما آلةُ العبد وسلاحه فطولهما ليصلا لبدنه كلهِ ثم جعل الكف عريضا ليقبض ويسبغ ثم قسم الاصابع احسن تقسيم فجعل اربعة منها في جهه وواحد في جهه فجائت على احسن تقويم ولو اجتمع الخلق كله ليستنبطوا الوضع آخر لخلق للأصابع لما استطاعوا ان يأتوا بوضع احسن من هذا الوضع واستعمل الانسان هذه الاصابع الخمسه يريد تقسيمها تقسيم جديد حتى يمكن ان يقبض الجهه وتخدمه اكثر لم يجد قسمه وخلقا احسن من ذلك يقول فلم يجد الى ذلك سبيلاً فسبحان الله لو شاء جعلها طبقاً واحدا لا تنثني فلا يتمكن الانسان وقتها من القبض ولا من الكتابه ولو شاء لجعلها مقبوضه فلا يتمكن الانسان من حمل الاشياء فسبحان من لايقدر قدره وهوه من فوق العرش ربٌ موحدُ ثم قال رحمه الله وتكلم يآ أخواني عن عظمه الله عز وجل في خلق الاظافر يقول وركب هذه الاظافر على رؤوس هذه الاصابع زينه وعناده ووقايه وليحكَ الانسان بها بدنه فالظفر الذي هو افقر الاشياء وعدمه الانسان ثم ظهرت بهِ حكه لشتدت حاجته اليه ثم قال وهب الله تعالى اليد الى موضع الحك فتجد ان اليد تمتد الى موضع الحك ولو في النوم من غير الحاجه الى سؤال احد ولا الى طلب الا زال الانسان نائم فأذا اراد ان يحك قدمه أو فخِذه أو ساقه أو نحو ذلك مايحتاج الى الاستيقاظ من النوم أو النظر الى موضع الحك او يرى مثلاً علامه معينه لا .
تجد ان هذه الاصبع بأذن الله عز وجل تهتدي مباشره الى الموضع الذي يمبغي ان يحك وأحياناً يكون موضع صغير لايحتاج الى حجم الظفر ومع ذلك يهتدي اليه الانسان ثم يحكهُ فسبحان من لايقدر الخلق قدره وهو من فوق العرش ربٌ موحدُ ثم تكلم رحمه الله تعالى عن عظمه الله عز وجل في خلق العظام وفي ان جل جلاله جعلها متماسكه للأوتار ثم قال كل ذلك صنع الرب الحكيم وتقدير العزيز العليم في قطره من ماء مهين ! في قطره من ماء مهين فويلٌ للمكذبين والجاهلين .
ثم قال رحمه الله بعد ان تكلم عن الجبال والاشجار والانهار والسماوات والارض قال بعد ذلك فأرجع الى النُطفه وتأمل حالها أولاً وما صارت اليه ثانياً أول ماظهرت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ وقال ثم تأمل كيف صارت اليه ثانياً قال ولو أجتمع الانس والجن والاولون والاخرون على ان يخقلوا لها سمعا أو بصراً أو عقلاً أو قدرةً أو علماً أو روحاً الى آخره يقول لعجزوا عن ذلك قال فهذا ربُنا الذي اتقن كل شيء في ماء مهين فمن كان هذا صنعه في قطره من ماء فكيف صنعه في السماوات وفي عقلها وايضا في خلقها والله عز وجل قد قال :
"
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ". النازعات 27
فالسماء اعظم فإذا كان كُلُ ذلك من أمر هذا المخلوق الظعيف الذي هو من قطره من ماء مهين فكيف يكون خلق ربِنا عز وجل فيما هو اعظم من ذلك ثم تكلم في اربعه اسطر عن السحاب وعن ماينزل منه الله عز وجل من القَطِر فقال رحمه الله تعالى ثم تأمل الى السحاب وكيف يخلقه الله عز وجل مع لينه ورخاوته وحامل من الماء الثقيل بين السماء والارض الى ان يأذن ربه عز وجل فيرسل ما معه من ماء بقدر مكتوب فيرش السحاب الماء على الارض رشاً لاتختلف قطره بقطره ولا تتقدم قطره على قطره بل تنزل وكل واحده منها في الطريق الذي رسم لها لاتعدل عنه يقول ابن عباس بالمناسبه في ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه قال : ان الله عز وجل ينزل مع كل قطره من السماء ملك ينزلها حتى يضعها في موضعها.
فكل قطره من السماء تنزل ينزل الله عز وجل معها ملك حتى يضعها في موضعها.
الآن لو أحضرنا للانسان شيء قليل مقدار قليل من الماء نقل له نريدك ان تخرج على هذه الجهه من هذا الجدار تجد انه لايستطيع اني يخرج وهو ماء قليل فكيف نقول له اجعل هذا الماء موزعا في قطرات على هذا الجدار فكيف بالرب عز وجل ان ينزل هذه الماء من السماء على هذه الارض ثم تنزل كل قطره في مكان معين لا تتجاوزه ولاتتقدم ولا تتأخر .
قال ابن القيم فأنظر كيف يسوق الله هذا للعباد والدوآب والطير والبر والنمل وفوقه رزقاً من حوالي فلان في الارض الفلانيه في جانب الجبل الفلاني فيصل اليه الماء على شده العطش في وقت اختاره الله عز وجل, ثم قال: هذا وكم لله تعالى من آيه في كل مايقع عليه ويبصره العباد ولايبصرونه تثى الاعمار دون الاحاطه بها ودون تفصيلها الى اخره ماذكر رحمه الله تعالى .